كتب / محمد عبيد
يُعد الأستاذ الدكتور قاسم محمد بريه من أبرز الشخصيات الأكاديمية والإدارية التي أثرت المشهد التعليمي في اليمن، وتحديدًا في محافظة الحديدة، إذ مثّل خلال مسيرته الطويلة نموذجًا فريدًا للقيادي الناجح، الجامع بين الحزم الإداري، والبُعد الإنساني، والرؤية التعليمية المستقبلية.
رائد التعليم في الحديدة
لم يكن الدكتور قاسم مجرد أكاديمي ناجح، بل كان رائدًا من رواد التعليم في محافظة الحديدة، حيث يعود له الفضل في تأسيس اللبنة الأولى لجامعة الحديدة، من خلال إنشاء كلية التربية، التي شكلت انطلاقة حقيقية لصرح أكاديمي كبير. ولم تتوقف إنجازاته عند هذا الحد، بل واصل مسيرته كمؤسس لـ مدارس الحديدة الحديثة للغات عام 1989، لتكون أول مدرسة خاصة متخصصة في تعليم اللغات في المحافظة، واضعًا بذلك أسس التعليم الأهلي الحديث في الحديدة.
تطوير جامعة الحديدة
حين تولى الدكتور قاسم بريه رئاسة جامعة الحديدة، شهدت الجامعة طفرة نوعية على مختلف الأصعدة، حيث أسس كليات متميزة مثل كلية الفنون الجميلة وكلية علوم البحار، في خطوة تعكس رؤيته المستقبلية ووعيه العميق بحاجة المحافظة والمجتمع لتخصصات علمية نوعية. ولم يكتفِ بذلك، بل عمل على تعزيز النشاط الأكاديمي من خلال إقامة مؤتمرات علمية دولية سنوية، شارك فيها نخبة من الأكاديميين والباحثين من مختلف دول العالم، مما أكسب الجامعة سمعة مرموقة ومكانة متميزة بين الجامعات العربية والدولية.
كاريزما قيادية لا تتكرر
يمتلك الدكتور قاسم بريه كاريزما فريدة جعلته يحظى باحترام كبير في الأوساط الأكاديمية والإدارية. فإدارته اتسمت بالحزم والحنكة والقدرة على اتخاذ القرار في الوقت المناسب، لكنه في المقابل، عُرف خارج أسوار الجامعة بإنسانيته وتواضعه وتواصله الاجتماعي الراقي مع الجميع، وهو مزيج نادر من الصفات التي قلما تجتمع في شخصٍ واحد.
ضد المناطقية.. مع الكفاءة
ما يميز تجربة الدكتور قاسم الإدارية أيضًا، هو رفضه التام للنظرة المناطقية، إذ كانت جامعة الحديدة في عهده مثالًا للتنوع والاحتواء، حيث ضمّت كوادر تعليمية وإدارية من مختلف المحافظات اليمنية، ما أسهم في تعزيز روح العمل الجماعي والانتماء المؤسسي، ورسّخ قيم العدالة والمساواة في بيئة الجامعة.
إنسانية حاضرة في الذاكرة
ورغم انتهاء فترته الإدارية، ما زالت إنسانية الدكتور قاسم وتواضعه حاضرين في ذاكرة من عمل معه. فقد كان دائم الحرص على مصلحة الجامعة وأعضائها، مهتمًا بمشاكل من حوله، ساعيًا في التخفيف من معاناتهم، ومانحًا الجميع الشعور بالأمان والثقة.
مدرسة في القيادة
لم يكن الدكتور قاسم مجرد رئيس جامعة، بل كان جامعة بحد ذاته في القيادة والإدارة والإنسانية. إن محبة واحترام من عرفه وتعامل معه لم تكن مصطنعة أو مفروضة، بل كانت نتيجة حقيقية لما يتمتع به من كفاءة عالية، وقدوة أخلاقية، وتواضع نادر.
إن مسيرة الدكتور قاسم محمد بريه تشكل أنموذجًا يُحتذى به في مجال التعليم والإدارة، وتُعد إرثًا غنيًا ومصدر إلهام للأجيال القادمة. فمثله لا يتكرر كثيرًا، وهو بحق من الشخصيات التي "جادت بها الأيام" وتركت أثرًا لا يُمحى في ذاكرة الحديدة واليمن بأسرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق