مستشفى دار السلام للصحة النفسية في محافظة الحديدة هو مركز نفسي مهم في اليمن، تأسس عام 1979 تقريباً، ويخدم عدة محافظات مجاورة، بما في ذلك الحديدة والريمه وحجة وغيرها. يقف المستشفى كمؤسسة وحيدة متخصصة في الطب النفسي بمحافظة يتجاوز سكانها الثلاثة ملايين نسمة. وهو المستشفى الوحيد الذي يلجأ إليه المرضى النفسيون وذووهم بحثاً عن علاج أو رعاية تحفظ ما تبقى من توازنهم.
ضغط المرضى وتراجع الإمكانات
يقول مدير المستشفى الدكتور عبد الكريم النجدي إن المستشفى يستقبل سنوياً آلاف المرضى، بينهم حالات مزمنة تحتاج لرقود طويل يستنزف قدرة المرفق الصحية المحدودة.
في عام 2023، سجّل المستشفى 9,387 حالة من المترددين، بينما تراجع العدد في 2024 إلى 7,817 حالة، وهو تراجع يربطه المدير بـ"عزوف المرضى وليس بانخفاض الأمراض"، بسبب صعوبة الوصول وغياب وسائل النقل أو ضعف ثقة المواطنين بالرعاية النفسية عموماً.
أما قسم الرقود، فيضم نحو 300 سرير، وهو رقم لا يكفي قياساً بحاجة المحافظة. في 2024 وحده، بلغت حالات الرقود 3,554 حالة، بينها 391 حالة من النساء. وفي إحدى الفترات، وصل عدد المقيمين الفعليين إلى 228 مريضاً، يعيشون معظم الوقت داخل أسوار المستشفى بسبب غياب الرعاية الأسرية أو العجز عن العودة إلى المجتمع.
امكانات متواضعة في وجه طلب متزايد
على الرغم من محدودية الإمكانات، يقدم المستشفى خدمات تشخيص وعلاج نفسي، إضافة إلى العلاج السلوكي والوظيفي والنطقي لبعض الحالات. ويحرص الأطباء والاختصاصيون – بعددهم القليل – على متابعة المرضى، رغم أن نقص الكادر يعد من أكبر التحديات التي يواجهها المستشفى.
تُصرف بعض الأدوية مجاناً للمرضى الأشد فقراً، غير أن المخزون الدوائي يتعرض للانقطاع المتكرر، ما يدفع الأهالي لشراء العلاج من الخارج بأسعار تفوق قدرتهم.
تحديات تشغيلية تفوق الطاقة
تحتاج أقسام المستشفى إلى صيانة مستمرة، خصوصاً شبكات المياه والكهرباء. أكثر من مرة، توقفت المولدات بسبب نفاد الوقود، ما أدى لتعطل التبريد والإضاءة في الأجنحة المكتظة بالمرضى.
كما تعاني المرافق الصحية من ضغط الاستخدام وتراجع النظافة. وكانت بعض المنظمات، مثل مشروع الأشغال العامة (PWP)، قد تدخلت سابقاً لتطوير مرافق المياه والصرف الصحي، ما ساهم في تحسين بيئة المرضى، لكنه لم يحل جذور المشكلة المرتبطة بالتمويل والتشغيل.
تقييم وتحسينات محدودة
حصل المستشفى مؤخراً على مستوى B في تقييم وزارة الصحة لجودة الخدمات وسلامة المرضى. وهو تصنيف يعكس محاولات التطوير، لكنه يشير أيضاً إلى فجوة واسعة بين الاحتياجات والقدرات الحالية.
زيارات رسمية عدة جرت للمستشفى خلال عامي 2024 و2025، تعهد خلالها مسؤولون في وزارة الصحة بدعم الأدوية وزيادة عدد الكادر، غير أن كثيراً من هذه الوعود لا زال ينتظر التنفيذ.
المرضى… حكايات تبحث عن نهاية مختلفة
يتجول في ساحات المستشفى مرضى من أعمار مختلفة. بعضهم يلهو في فناء صغير تنبت فيه شجرة قديمة، وآخرون يجلسون بصمت على مقاعد إسمنتية، يتأملون بوابة المستشفى كأنها حلم الحرية المؤجلة.
تقول إحدى الممرضات إن جزءاً كبيراً من المعالجة النفسية يبدأ من الاهتمام بالمرضى "كأشخاص لا كأرقام"، لكن ضيق الوقت، ونقص الطاقم، وضغط الحالات يجعل المهمة مرهقة.
مؤسسة وحيدة وخط دفاع وحيد
بغياب أي مراكز بديلة في الحديدة والمناطق المجاورة، يبقى مستشفى دار السلام خط الدفاع الوحيد أمام تزايد الأمراض النفسية، التي تفاقمت بفعل الحرب والفقر والضغوط الاجتماعية.
ورغم التحديات، ما يزال المرفق يؤدي دوره بصعوبة، معتمداً على جهود طاقمه والمساعدات المحدودة التي تصل بين فترة وأخرى. لكن الخبراء يؤكدون أن إنقاذ المستشفى وتطويره يتطلب خطة دعم مستدامة لا تعتمد فقط على التدخلات الطارئة.
مستشفى دار السلام ليس مجرد مؤسسة صحية؛ إنه مرآة لحالة الصحة النفسية في اليمن، بكل ما تعانيه من إهمال ووصمة ونقص في الدعم. ومع ذلك، يظل هذا المكان – رغم هشاشته – مساحة أمل للآلاف ممن يبحثون عن علاج أو فسحة راحة من صراعاتهم الداخلية، في مجتمع يحتاج هو الآخر إلى رعاية نفسية شاملة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق