عندما تُذكَر أعلام التعليم في الحديدة، ينهض اسم الأستاذ علي غالب كجذعٍ أصيل يشهد لزمنٍ لم ينطفئ فيه وهج المعلم، ولم يكن التعليم فيه مجرد وظيفة تُؤدّى، بل رسالة تُحمل على الكتف كما تُحمل الأمانة.
في ممرات المدارس، وداخل الفصول التي عرفت صوته وهيبته وحنانه، تشكّل وعي أجيالٍ كاملة كانت تبحث عن نافذة تُطلّ منها على العالم. وكان علي غالب تلك النافذة المشرعة دائماً على الضوء. لم يكن مجرد معلم، بل صانعاً للطمأنينة في نفوس طلابه، مؤمناً بأن كل طفل يحمل في داخله بذرة لا تُزهر إلا إذا وجدت يداً خبيرة تسقيها، وعيناً تعرف كيف تبصر إمكاناتها.
قاد الأستاذ علي غالب مدرسة الشهيد محمد محمود الزبيري كما يُقاد مركبٌ في بحرٍ متقلّب. لكن بحكمته واتساع رؤيته، تحوّلت المدرسة في عهده إلى بيئة يُصنع فيها التفوق كما تُصنع الموهبة في ورشة فنانٍ بارع. تحت إدارته، تقدّمت المدرسة في مختلف الفعاليات وكانت رقماً صعباً على مستوى المحافظة واليمن، حتى غدت شاهداً على أنّ الإدارة التربوية ليست إجراءات، بل روح.
الأجيال التي تتلمذت على يديه لم تخرج من فصوله وهي تحمل كتباً فحسب، بل خرجت وهي تحمل أثراً. منهم مسؤولون، وإعلاميون، ومثقفون، وأطباء، ومهندسون. وكل واحد منهم ما زال يحمل ذكرى ذلك المعلم الذي كان يتعامل مع المستقبل كما يتعامل الحائك مع خيوطه: يصنعه بإتقان، ويترك فيه جزءاً من روحه.
ولم يكتفِ الأستاذ علي غالب بأن يكون مربياً في الفعل اليومي، بل حمل قلمه وسار به إلى فضاء البحث والتأريخ. صدرَت له مؤلفات بحثية وتوثيقية، لم تكن مجرد كتب، بل جسوراً تصل الحاضر بالماضي، وتكشف ملامح التحولات التربوية والثقافية في الحديدة. فبفضله بقي جزء من ذاكرة المحافظة محفوظاً من الضياع.
إن الحديث عن الأستاذ علي غالب ليس حديثاً عن فرد، بل عن مرحلة. عن رجلٍ آمن بأن المعرفة تُشيّد ما تعجز السلطة عن تشييده، وأن المعلم الحقيقي يظل في ضمائر الناس حتى بعد أن تغادر خطواته ساحات المدارس.
لقد كان علي غالب، وما يزال، واحداً من أولئك الذين يضعون بصمتهم ثم ينسحبون بهدوء، تاركين وراءهم ضوءاً يعيش أطول منهم.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق